وداعًا سوريا
انقضت 5 أعوام تقريبا على إنطلاق الإحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد – إحتجاجات تحولت إلى حرب أهلية دامية حصدت حياة حوالي نصف مليون شخص. بعد سنوات من القتال والقتل والمجازر وحتى هجمات بأسلحة كيميائية، لا يبدو أن هناك نهاية في الأفق.
مرت 5 أعوام، والشيء الوحيد الذي يمكن قوله بشيء من الثقة (فنحن نتحدث عن الشرق الأوسط في نهاية الأمر) هو أن سوريا في شكلها السابق – دولة مع حدود واضحة وحكومة مركزية مقرها في دمشق – لم تعد موجودة. تركت هذا العالم (وكما يبدو) لن تعود إليه أبدا. ما تبقى هو مساحة من الأرض متفككة وممزقة ومنقسمة بين مئات المجموعات التي تضم رجالا مسلحين يقاتل أحدهم الآخر ويعملون بجد على القضاء على ما قد يكون قد تبقى منها.
نجح نظام من نوع ما في البقاء في دمشق، يتلقى الأوامر من رؤسائه في طهران. وبالفعل، فإن سوريا السابقة هي بيدق في لعبة بين القوى العظمى – الولايات المتحدة وروسيا – وكذلك القوى العظمى الإسلامية، إيران والسعودية.
المحور الشيعي الذي تقوده طهران، إلى جانب روسيا، يحارب ضد المحور السني المعتدل (نسبيا طبعا) الذي تقوده السعودية، وكلاهما يحاربان تنظيم “داعش”، الرابح الوحيد في الحرب الأهلية هذه.

المنطقة التي كانت تُعرف حتى وقت قريب بإسم سوريا مقسمة اليوم إلى أراض يسيطر عليها محور إيران-حزب الله-الأسد برعاية روسية، لا سيما باتجاه الشرق الغربي؛ وأراض يسيطر عليها المتمردون السنة المدعومون من تركيا والسعودية؛ ومناطق قام فيها الأكراد بإنشاء ما يشبه منطقة حكم ذاتي، وطبعا الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”. في كل هذا، هناك قرى ومدن تحافظ على مكانة شبه مستقلة وتعمل وفقا لإعتبارات محلية.
إلى أي إتجاه يسير كل ذلك؟
السيناريو الأسوأ هو أن تستمر الحرب الأهلية لعدة سنوات أخرى. السيناريو الأكثر تفاؤلا هو إنشاء إتحاد فيدرالي، بدعم وتأييد من القوى العظمى، على الأرض التي كانت يوما سوريا.
بدأ بصيص من الأمل بالظهور في الأشهر الأخيرة، خاصة في الغرب، بأنه لعل الحرب الخاطفة الروسية ستحقق المطلوب. جيش بشار الأسد، بمساعدة إيرانية مع قوات تابعة لحزب الله وتغطية جوية روسية، حقق تقدما هاما في عدد من المناطق: في المنطقة الشمالية الغربية بالقرب من حلب، بإتجاه الحدود التركية، وفي منطقة درعا في الجنوب، حيث قامت قوات الأسد بالإستيلاء على بلدة تُدعى الشيخ مسكين.
هذه التحركات التي يُفترض أنها دراماتيكية، بعد أشهر كثير من الجمود والركود في سوريا، خلقت شعورا بأن “المحور الشيعي” لا يزال يتقدم نحو النصر. يمكن أن نضيف إلى ذلك وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في سوريا قبل حوالي 10 أيام، والذي نجح بتهدئة المعارك إلى حد ما. ولكن هذه التطورات غير كافية إلى أعادة الوضع إلى ما كان عليه.
أولا، قد تكون الإنجازات العسكرية لجيش الأسد قد توقفت. قواته لم تحقق تقدما إلى ما وراء الشيخ مسكين، ولم تحقق أي تقدم أيضا على الأرض في الشمال. تدفق اللاجئين الفارين شمالا ازداد، ولم يتم الإستيلاء على أراض جديدة.
إيران قامت بسحب كل قواتها المقاتلة من الأراضي السورية، وأعادت حوالي 2,400 مقاتل من الحرس الثوري الإيراني إلى طهران وتركت الأسد وحزب الله مع الغارات الجوية الورسية والحرب ضد قوى المعارضة. حوالي 700 عنصر من الحرس الثوري لا يزالون على الأرض السورية – ولكن كمستشارين وليس كمقاتلين.
في حين أن وقف إطلاق النار قد يكون جلب هدوءا نسبيا، ولكنه لم يوقف أعمال القتل. 140 شخصا قُتلوا فقط خلال الأسبوع الأول من الهدنة. الروس أوقفوا عمليات القصف لمدة 43 ساعة، ولكن منذ ذلك الحين استأنفوا هجماتهم ضد معاقل “داعش” وأهداف أخرى للمعارضة السورية “المعتدلة”. الأمريكيون وحلفاءهم يقومون بقصف أهداف لتنظيم “داعش” والأتراك يهاجمون الأكراد و”داعش”. كما وصف ذلك مسؤول إسرائيلي رفيع، “ما الذي يقوم به أشخاص خلال إستراحة طعام؟ يأكلون. إذا ما الذي يقومون به خلال إستراحة إطلاق نار؟ يطلقون النار”.
تعرفوا على سعيد عز الدين: الجنرال الإيراني الذي يشرف على التحريض ضد إسرائيل من دمشق
طهران من دون شلك هي اللاعب المهيمن في سوريا.
بالإضافة إلى مئات المستشارين التابعين لها، هي مسؤولة أيضا عت الميليشيات الشيعية من بلدان مثل باكستان وأفغانستان، وعن حزب الله أيضا.
حزب الله، من جانبه، يقوم بإرسال الآلاف من مقاتليه إلى سوريا بأوامر من إيران. يقدر مسؤولون إسرائيليون بأن 1,500 مقاتل من حزب الله قُتلوا وبين 6,500 و7,000 أٌصيبوا. بكلمات أخرى، أكثر من ثلث قوة حزب الله النظامية خارج نطاق الخدمة.
الرجل المسؤول عن هذا المشروع هو سعيد عز الدين، جنرال رفيع المستوى في الحرس الثوري وعضو في فيلق القدس ومقرب من قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
قام عز الدين بفتح مكتب له في دمشق. من هناك يقوم بالتخطيط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية في هضبة الجولان وفي الضفة الغربية وغزة أيضا.
كما يبدو فإن عز الدين هو الذي يقف وراء ثلاث خلايا عملت ضد إسرائيل في هضبة الجولان. الخلية الأولى كانت خلية عماد مغنية، الذي خطط هو ولاعبين أساسيين في حزب الله لسلسلة من الهجمات واسعة النطاق، بما في ذلك التسلل لبلدات إسرائيلية. تم القضاء على هذه الخلية في يناير 2015.
الخلية الثانية كانت خلية سمير القنطار، الذي حاول تجنيد مساعدة دروز محليين اعتمادا على ديانته وصلاته المتعددة. انهارت هذه الخلية مع القضاء على القنطار في ديسمبر.
الخلية الثالثة كانت بقيادة أعضاء في الجهاد الإسلامي الفلسطيني المسؤولين عن إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية في أغسطس 2015. تم القضاء على هذه الخلية وهي في طريقها إلى دمشق.

بعيدا عن الإستسلام، من المتوقع أن يستمر عز الدين وعناصر فيلق القدس في بذل الجهود للمشاركة في عمليات ضد إسرائيل في هضبة الجولان.
في الوقت نفسه، عز الدين منشغل ببناء بنى تحتية في الضفة الغربية، وتسليح الجناح العسكري لحركة حماس في غزة.
ويقوم بكل ذلك من مركز العمليات التابع له في دمشق، على الرغم بأنه ليس من المؤكد بأن الأسد يعرف أي شيء عن نطاق أنشطته.
تنظيم “داعش”في موقف دفاعي
عدو إيران الرئيسي كان وما زال تنظيم “داعش”، على الرغم من محاولات طهران وموسكو تركيز جهودهما على مجموعات أخرى شمال سوريا حيث لا وجود لـ”داعش”. تجدر الإشارة إلى أن “داعش” تلقى ضربات عكسرية ومالية في الأسابيع الأخيرة. التنظيم يعاني من هزائم في العراق أيضا، وفي سوريا يتعرض للقصف من كل اتجاه.
المشكلة الأسوأ التي يواجهها تنظيم “داعش” قد تكون تدفق الأموال. ركز الأمريكيون جهودهم القتالية على مصادر تمويل التنظيم، كما يبدو مع بعض النجاح. تعرضت صادرات النفط الخام لـ”داعش” لضربات موجعة، وحتى الأماكن التي يضع التنظيم أمواله فيها تعرضت للقصف. خلق ذلك مشكلة كبيرة للتنظيم في تجنيد متطوعين جدد، حيث أنه كان يدفع لهم رواتب كبيرة (بالإضافة إلى وعدهم بالحياة الأبدية). بالإجمال، منذ عام 2014، أفضل أعوام “الدولة الإسلامية”، يتواجد التنظيم حاليا في موقف دفاعي، حيث يواجه الأعداء من كل اتجاه.
إلى جانب “داعش”، أبرزت الحرب الأهلية في سوريا عنصرا آخر، هذه المرة عنصرا إيجابيا: الأكراد. على الرغم من إعتبارهم المجموعة الأضعف في الساحة السورية، فقد أظهروا قدرة عسكرية كبيرة في النظام والإنضباط والتنظيم. قوات البشمركة ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG) حققت إنجازات هامة على الأرض في منطقة كوباني من بين مواقع أخرى.
تتلقى وحدات حماية الشعب الكردية المساعدة من روسيا، ومن الجلي أن ذلك يأتي ضمن الجهود الروسية للإستهزاء بتركيا، التي لا ترغب برؤية وجود عسكري جوي روسي، أو وجود روسي بأي شكل من الأشكال، في المنطقة وتعارض بشدة إقامة حكم ذاتي كردي.
ولكن على أرض الواقع فإن الإستقلال الكردي يحدث بالفعل في الوقت الذي يتقدم فيه الأكراد ببطء ولكن بثبات باتجاه الجنوب والغرب. في حين أن إنشاء كيان كردي سياسي رسمي على أرض سورية وتركية قد يبدو بعيد المنال، فالواقع هو أن الأكراد يسيطرون على مساحات واسعة من الأراضي.