هدنة هشة مع إسرائيل

في لحظة مفاجئة ومأساوية ليلة الجمعة، تحول النقاش حول التصعيد في العنف بين حماس وإسرائيل ليصبح ثانويا بالنسبة لبعض سكان غزة. وسائل الإعلام المحلية بدأت بتغطية واسعة لحادثة وقعت شمال غرب القطاع، في مخيم الشاطئ للاجئين.

الأطفال الرضع من عائلة الهندي قضوا في حريق شب في منزلهم، تسببت به الشموع التي كانت مضاءة في غرفهم. صور الجثث الثلاثة التي انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية التي اختارت عدم تشويشها زادت من هول الكارثة.

ولكن صباح السبت، كان تبادل الإتهامات بين حماس وفتح في أوجه، حيث تم ربط إسرائيل أيضا بالحادثة.

في قلب النقاش العاصف كان السؤال من هو المسؤول عن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل الذي دفع بالعائلة الثكلى (مثل عشرات الآلاف غيرها من الأسر في غزة) إلى إضاءة الشموع.

الإتهامات بدأها  أفراد عائلة الهندي بأنفسهم. صباح السبت، قاموا بنشر صور لبعض الرجال من العائلة الموسعة الذين وقفوا وسط حطام ما تبقى من المنزل، وهم يحملون صورا لرئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

على هذه الصور كُتب “قتلة أطفال”.

الرد من رام الله لم يتأخر.

خلال ساعات، قال جمال المحسن، عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، بأن أفراد عائلة الهندي هم المسؤولين عن وفاة الأطفال الثلاثة لأنهم لم يلتزموا بتعليمات السلطات في غزة، التي حثت السكان على عدم ترك الشموع مضاءة في منازلهم عند انقطاع التيار الكهربائي.

وقال المحسن، والذي يُعتبر أحد أكثر المقربين لعباس، أيضا بأن حماس مسؤولة عن الحادثة، لأنها لا تسمح لحكومة حمد الله بالعمل في القطاع ومعالجة مشكلة الكهرباء.

بالإضافة إلى ذلك، وفي محاولة لتخفيف الإنتقادات ضد السلطة الفلسطينية على الحريق في غزة، تحدث عباس عبر الهاتف مع والد الأطفال الثلاثة. حمد الله أعلن أيضا عن أن العائلة ستحصل على منزل جديد وبعض المال.

ولكن القصة لم تنته هنا.

في جنازة الأطفال الثلاثة عصر يوم السبت، اتهم قائد حركة حماس في قطاع غزة، إسماعيل هنية، الحكومة في رام الله بمعارضة إنشاء ميناء في غزة بقوة ورفض “إنشاء مشاريع” لرفع الحصار – الحصار الأمني الذي تفرضه كل من إسرائيل ومصر لمنع حركة حماس من استيراد الأسلحة.

وتساءل هنية، “من يتحمل المسؤولية؟” وأضاف، “من الذي يجمع ضرائب بقيمة 70 مليون دولار شهريا؟ من الذي يصر على فرض ضريبة على الوقود لمحطة الكهرباء؟ من يرفض توسيع خط الغاز من إسرائيل إلى محطة الكهرباء في غزة”، مشيرا إلى أن عيوب السلطة الفلسطينية لا تنتقص من “جرائم الإحتلال”.

في قلب النزاع على تزويد الكهرباء تقف ضريبة على الوقود التي تفرضها إسرائيل عبر السلطة الفلسطينية. حماس ترفض أن تدفع المبلغ وتطالب الحكومة في رام الله بدفعه. السلطة الفلسطينية تدفع نصف الضريبة الآن وتقول إن على حماس دفع النصف الآخر.

في غضون ذلك، تقول شركة الكهرباء بأنه ليس لديها المال الكافي لشراء ما يكفي من الغاز. في هذه الحال يمكن التخمين إذن بأن إنقطاع التيار الكهربائي سيتواصل. وبالتالي، سيواصل سكان غزة إضاءة الشموع.

إسرائيل وحماس: قصة حب وكراهية

 

مع ذلك، حتى في الوقت الذي تتحدث فيه حماس ضد السلطة الفلسطينية، فيبدو أنها تقوم بكل ما هو ممكن لتجنب جولة أخرى من القتال مع إسرائيل، وتحدد نفسها في الرد على التوغلات الإسرائيلية بحثا عن أنفاق داخل قطاع غزة وتكيف نفسها، ولو على مضض، للنشاط الإسرائيلي داخل أراضي غزة.

في الأيام الأخيرة عملت قوات الجيش الإسرائيلي داخل غزة – على بعد 150 مترا من الحدود مع القطاع الفلسطيني. حماس اكتفت بإطلاق عدد محدد من قذائف الهاون في مناطق مفتوحة احتجاجا على ذلك.

ما لم تفعله هو إطلاق صواريخ على البلدات الإسرائيلية أو إرسال قوات خاصة لتنفيذ هجوم عبر البر أو البحر.

خلال الأيام التي عمل فيها الجيش الإسرائيلي في القطاع، قامت حماس بنقل رسائل إلى إسرائيل عبر قطر ومصر والأمم المتحدة وآخرين لتقول إنها غير معنية بحرب أخرى. تم وضع اتفاق غير مباشر بين الطرفين – بمساعدة الوسطاء المصريين – بموجبه ستترك إسرائيل هذا “المحيط” الداخلي قريبا، وستوقف حماس إطلاق النار، وخلال القتال لن تقوم بأكثر من بضعة جولات روتينية من إطلاق النار.

عمليا، بطريقة لن تعترف بها على الإطلاق، أشارت حماس بذلك إلى أنها لن تدخل في حرب بسبب العمليات الإسرائيلية الأخيرة على الحدود. حتى خلال خطاب هنية مساء الجمعة، الذي يكون عادة مليئا بلغة خطاب قتالية ضد إسرائيل، اختار رئيس الوزراء السابق هذه المرة التشديد على أن حماس غير معنية بحرب.

مع ذلك يمكن للوضع الراهن البارد أن يتغير. داخل الجناح العسكري لحركة حماس، هناك من يطالب الحركة بإتخاذ خطوة عنيفة من خلال “ضربة افتتاحية” يأملون أن تؤدي في نهاية المطاف إلى رفع الحصار عن غزة.

هناك أيضا تأييد متزايد بين السكان العاديين في غزة لجولة جديدة من القتال، وخاصة بين أولئك الذين لا يوجد لديهم ما يخسرونه.

قذيفة إسرائيلية واحدة ضالة أو قذيفة هاون فلسطينية، كما كتبت هنا يوم الجمعة، ستعزز من مواقف دعاة الحرب من كلا الجانبين. ولكن حادثة مأساوية، مثل سقوط شمعة، قد تؤدي إلى إشعال المنطقة بالطريقة نفسها أيضا.

تعليقات