نتنياهو ونظرية غليان الضفدع
نائبة وزير الخارجية الحديثة في حكومته قد تكون تريد من الدبلوماسيين الإسرائيليين حول العالم بالتأكيد بكل فخر على حق إسرائيل التاريخ على كل هذه الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ولكن هل يؤمن بنيامين نتنياهو حقا بأن إسرائيل ستكون قادرة على ضم الضفة الغربية ووضع يهودا والسامرة التوراتية تحت سيادة إسرائيلية طويلة الأمد؟ هل هو حتى يرغب بذلك؟
الإجابة على هذين السؤالين هي لا.
ناهيك عن أن نتنياهو قد وضع واحدة من أشد المؤيدين لضم الضفة الغربية على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية. تسيبي حاطوفيلي هي مجرد واحدة من التعيينات السخيفة والضارة في حكومة نتنياهو التي تم فرضها نتيجة الواقع الإشكالي للإئتلاف الحكومي الإسرائيلي وجهود رئيس الوزراء في الحفاظ على خصومه المحتملين بعيدا عن وزارات هامة. في أعماقه، يدرك نتنياهو جيدا بأن المجتمع الدولي لن يتسامح أبدا مع إعلان إسرائيلي عن السيادة الكاملة بين النهر والبحر – وأن التداعيات الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية ستكون وخيمة. وعلى أي حال فقد وضح، في أكثر من مناسبة، بأن لا رغبة لديه في وضع ملايين الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي، وتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية سرعان ما سيخسر فيها اليهود إما الأغلبية أو الديمقراطية.
ما الذي يمنعه إذا من أخذ زمام مبادرة دبلوماسية تعكس إستنتاجاته وقناعاته؟
ما الذي منعه من البداية، من إلقاء خطاب يؤيد فيه مبادرة السلام العربية، ورفضها حتى الآن، كأساس للمفاوضات حول الصراع الفلسطيني ولتحسين العلاقات حيث بالإمكان مع بلدان أخرى في المنطقة – ليس قبول المبادرة العربية في شكلها الحالي، ولكن التأكيد على الرغبة في توسيع دائرة التطبيع؟
حتى الفاتيكان، مع البابا المحب لليهود، يدعم فلطسين وزعيمها الملائكي على ما يبدو
وما الذي يمنعه من دعم الأقوال بالأفعال – من خلال الإعلان عن تجميد البناء خارج الكتل الإستيطانية الكبيرة وجعل التعويض متاحا للإسرائيليين الذين يعيشون في مناطق في الضفة الغربية لا ترى إسرائيل بأنها ستحافظ عليها في أي اتفاق دائم؟ ليس بسر أن نتنياهو يتجنب منذ سنين المصادقة على معظم البناء خارج هذه الكتل الإستيطانية، مسببا الإحباط الكبير لسلسلة من زملائه الصقوريين المؤيدين لضم الضفة الغربية. فلماذا لا يقوم إذا بمبادرة إقليمية ودولية تنبع من سياسة يتابعها هو أصلا بهدوء؟ لماذا لا يقوم بوضع محمود عباس المتعنت تحت الضغط؟
يتحدث رئيس الوزراء من دون نهاية حول الفرص والشراكات مع السعوديين وغيرهم في المنطقة، الذين يشاركون إسرائيل في تخوفاتها من برنامج إيران النووي. خطاب متفائل بشأن مبادرة السلام العربية، مع إعطاء المصداقية لذلك من خلال تجميد البناء خارج الكتل الإستيطانية، سيوفر إمكانية لتحقيق تلك الشراكات.

سيسعد ذلك أيضا أهم حليف لإسرائيل، الولايات المتحدة، التي اختار رئيسها أن يصدق نتنياهو عشية الإنتخابات عندما تعهد بعدم إقامة دولة فلسطينية، بدلا من نتنياهو بعد يومين من الإنتخابات عندما أكد على دعمه لـ”حل دولتين سلمي ومستدام”.
وفي ضربة واحدة، ستختفي المخاوف بشأن قرارات مجلس الأمن الدولي التي تهدف إلى فرض جداول زمنية ملزمة لانسحاب من الضفة الغربية. ستعود الولايات المتحدةبقوة إلى الوقوف في زاوية إسرائيل. والأوروبيون – الذين تتحدث تقارير عن أن نتنياهو يحاول التخلص منهم ضغوطهم من خلال عرض بدء الحديث مع الفلسطينيين حول أبعاد الكتل الإستيطانية – سيكونوا مبهجين.
إسرائيل اليوم متورطة في صراع لا هوادة فيه من أجل بقائها وشرعيتها
بدلا من الإنجرار نحو شروط وجداول زمنية تعتبر إسرائيل أنه يتعذر الإلتزام بها، ستكون هي من يضع جدول الأعمال. وبعد أن توضح إستعدادها على تقديم تنازلات، ستتمتع إسرائيل بمصداقية أكبر في التعبير عن مخاوفها إزاء المخاطر في التخلي عن أراض في هذه المنطقة والعصر العنيفين اللذين لا يمكن التكهن بهما. يجب التعامل بجدية مع مخاوف إسرائيل بشأن استيلاء حماس على الضفة الغربية في حال إنسحاب الجيش الإسرائيلي من هناك، تماما كما فعلت الحركة في غزة. فبعد كل شيء، بدلا من رفض ذلك من قبل المجتمع الدولي بإعتباره عذرا للتقاعس الإسرائيلي، كما هو الحال اليوم، سيتم الإعتراف بالتخوف من إنقلاب إسلامي في الضفة العربية كما هو: تحذير من خطر حقيقي الذي وحتى يتم حله يمنع حل دولتين سلمي ومستدام طال انتظاره.
في غياب مبادرة من جانب نتنياهو، يجب أن يكون من الواضح أن مكانة إسرائيل في العالم في حالة تدهور. ليست كل المحاولات في الحرب والحرب القانونية والشيطنة والتشويه ناجحة. ولكن إسرائيل اليوم متورطة في صراع لا هوادة فيه من أجل بقائها وشرعيتها.
الولايات المتحدة تدافع عن اتفاق مع إيران الذي يعتبره الجميع في إسرائيل تقريبا بأنه كارثي – حيث يرون أنه يمهد الطريق أمام النظام الإيراني نحو قنبلة، ويعزز من قوتهم في السلطة لإستخدامها – ولكن حتى توجه نتنياهو المباشر للكونغرس، مع المخاطرة بإلحاق الضرر بمكانة إسرائيل في الحزبين بالولايات المتحدة، لم ينجح في إفشاله. على حدودنا، تقوم حماس بإعادة تكوين وصقل ترسانتها الصاروخية، وحفر الأنفاق على الحدود مجددا. حزب الله يُعتبر حاليا واحدا من أقوى القوات المسلحة في العالم، مع سنوات من الخبرات القتالية في سوريا، و100,000 صاورخ موجه نحو إسرائيل.

البرلمانات في العام تصطف للإعتراف بدولة فلسطين. أوباما يعظ لنا حول كيف أن قيمنا اليهودية تتطلب منا منح الحرية للفلسطينيين في أرضهم. حتى الفاتيكان، مع البابا المحب لليهود، يدعم فلطسين وزعيمها الملائكي على ما يبدو. محمود عباس يرى عالما يريد منح شعبه الإستقلال الكامل مهما كانت مواقفه لا تتزعزع. ويرى عدوا في وضع دفاعي، وحتى في وضعية شلل. لا يرى أن هناك ما يلزمه بتقديم تنازلات. وهذا يضيف إلى ما هو عكس مصالح إسرائيل.
الخطر هو أننا لسنا في وضع ننجح فيه بالتغلب على هذه الصعوبات، ولكننا في حالة تراجع لا محالة: أن إسرائيل هي هذا الضفدع الموضوع في إناء على موقد، الذي يتجه نحو موته مع ارتفاع درجات الحرارة تدريجيا حتى درجة الغليان
ينتظر الفلسطينيون الفرصة لمحاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب. حملة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات لم تحقق نجاحا كبيرا حتى الآن ولكن تقوم بنزع الشرعية عن إسرائيل، محققة تقدما إقتصاديا بسيطا ولكن نجاحات أيديولوجية كبيرة بين الشباب سريعي التأثر في الجامعات الغربية. لم يعد أمر مفاجئا بأن يقوم أشخاص أمثال لورين هيل بالخضوع للضغوطات وإلغاء حفلاتهم هنا. إتحاد كرة القدم الدولي سيصوت خلال أيام قليلة حول ما إذا كان سيمنع إسرائيل من المشاركة في كل البطولات العالمية لأكثر الرياضات شعبية في العالم.
ولكن ليس كل الأمور تدعو إلى التشاؤم بطبيعة الحال. وهذه هي النقطة بالضبط. نجحت إسرائيل بشكل عام بإقناع نفسها بأنها قادرة على التغلب على الصعوبات بطريقة أو بأخرى – بأن الواقع الجديد للحرب المتقطعة مع غزة هو أمر مستدام؛ بأنه ما زال بالإمكان التغلب على إيران؛ بأن حزب الله مشغول؛ بأن عمليات التصويت في هذه البرلمانات دولة بعد الأخرى لصالح إقامة دولة فلسطينية ليست حقا بالأمر الهام؛ بأنه يمكن رفض الإمتثال لقرارات مجلس الامن؛ أن هناك حياة بعد عظات أوباما؛ بأن فريق رولينتغ ستونز وروبي ويليامز أظهرا أنه هناك الكثير من أولئك الذين سيتحدون ضغوطات المقاطعة؛ بأن الفيفا ستقاوم على الأرجح المحاولات الفلسطينية لتسييس كرة القدم العالمية؛ وأننا سنتمكن في نهاية المطاف من تهدئة الإحتكاكات الداخلية أيضا – الفجوات الإقتصادية، التوترات… مع اليهود الحاريديم والعرب وألاثيوبيين.
ولكن الخطر هو أننا لسنا في وضع ننجح فيه بالتغلب على هذه الصعوبات، ولكننا في حالة تراجع لا محالة: أن إسرائيل هي هذا الضفدع الموضوع في إناء على موقد، الذي يتجه نحو موته مع ارتفاع درجات الحرارة تدريجيا حتى درجة الغليان.
ما الذي يمنع نتنياهو من تخقيض درجة الحرارة من خلال أخذ زمام المبادرة؟ ما الذي يمنعه من التأييد الواضح لسياسات أشار هو بنفسه بأنه يفضلها والدفع بها قدما – سياسات قد تساعد إسرائيل في الخارج وقد تعمل على تعزيز موقفه السياسي في الداخل؟ ما يمنعه فقط هو نفوره الخاص والمثبت من القيام بخطوات كهذه.
ولكن لماذا أراد إذا أن يكون رئيسا للحكومة مرة أخرى؟