طالبو اللجوء، قصة ‘جيم’

ان اسرائيل المعاصرة عبارة عن حزمة كبيرة من التناقضات: غالبا ما تكون مشجعة بقدر كونها محبطة؛ رحيمة بقدر كونها ظالمة. إنسانية بقدر كونها قاسية. شعبها يعرض لطف مذهل كما الدفء، ولكن يظهر باستمرار تعصب ذميم وكراهية للغريب. أنها معطاءة دون انانية للمحتاجين في حين تغلق أبوابها أمام المحرومين. انها تحمل سياسات لا يمكن الدفاع عنها على خلاف المبادئ الأساسية لكرامة الإنسان التي تدعي انها تحافظ عليها وتتقيد بها. ويتجلى هذا بخليط غريب وواضح في معاملة إسرائيل للاجئين الأفارقة وطالبي اللجوء الذين وصلوا إلى شواطئها في السنوات الأخيرة. قصة جيم (الاسم الكامل ممنوع للنشر) تقص كل شيء.

ولد جيم في قرية صغيرة في دولة في غرب أفريقيا التي مزقتها الحرب قبل نحو 25 عاما. عندما كان بالكاد أحد عشر عاما، استولى الثوار المسلحين على مسقط رأسه، هدموا منزله وقتلوا جميع أفراد أسرته أمام عينيه. لقد تمكن، بطريقة أو بأخرى، من الهروب – فقط ليقع في أيدي مهربي البشر الذين نقلوه، مع آخرين، إلى مصر. بعد نحو سنتين، تم تهريبه هو وزمرته عبر سيناء إلى إسرائيل ثم تخلي عنه.

هذا عندما سيطرت إسرائيل الجيدة. اتخذ جيم وصديق حميم وإرسلوا إلى مدرسة داخلية في شمال البلاد. لقد التفوا بدفء المدير والموظفين. وضع جيم في أيدي عائلة تبنته وبدأ، مع حبهم والهطف الكبير الذي كان بحاجة ماسة اليه، بالبدء بالشفاء من جروح التجارب المؤلمة التي تعرض لها. بينما الأطفال الآخرين في جيله يحتفلون بالبار ميتسفه، بدأ جيم باسترداد ما تبقى من طفولته.

لمدة أربع سنوات، احتضن وتشجع من قبل الناس الرائعين الذين كانوا على علم بالتعقيد الهائل لخلفيته، عاد جيم ببطء الى نفسه. تعلم، بنى صداقات، وبدأ في الازدهار – مسنود دائما من قبل الناس الذين كانوا حذرين اتجاه هشاشته وتفهموا حساسيته. قبل خمس سنوات، أكمل جيم امتحاناته النهائية بنجاح، مما جعله مؤهلا للقبول لإحدى المؤسسات التعليم العالي الاسرائيلية.

طوال سنوات دراسته الثانوية، كان جيم محميا من المضايقات من قبل سلطات الهجرة: كقاصر كان في مأمن من الترحيل. بعد محاولات متكررة لتأمين وضع إقامته الرسمي الفاشلة في اسرائيل. وبمجرد انهى جيم دراسته الثانوية، لم يتمتع بهذه الحمايات اكثر. كان بلد منشأه ذاكرة مفزعة له. لم يملك مكانا يذهب إليه، لم يستطع الحصول على تصريح عمل، ولم يكن واضحا كيف سيمضي قدما. لقد قرر، إلى جانب صديقه والذين رافقوه في رحلته الشاقة، لتحقيق حلمه للحصول على التعليم الجامعي.

قبل أربع سنوات بدأ جيم دراسته في إحدى الكليات العامة المتقدمة في إسرائيل. هنا، أيضا، استفاد من إدارة يقظة، كلية تعاونية ومجموعة من الطلاب الذين أخذوا على عاتقهم, مساعدته عند الحاجة. تم منحه منحة دراسية كاملة، ولكن – افتقاره إلى أي مكانة رسمية – لم يتمكن من العمل لتكملة تأمين بقية معيشته. طلبه للحصول على تأشيرة ضاع في مستنقع البيروقراطية. لقد قرر، بدعم من المؤتمنين عليه ودعم الخط الساخن لشؤون اللاجئين والعمال المهاجرين، إلى ارسال طلب للحصول على إقامة دائمة. رفضت طلباته مرارا وتكرارا. حتى التماسه للحصول على الإقامة لأسباب إنسانية, رفض من قبل السلطات (والآن, انه في انتظار قرار على استئنافه الاخير، الذي من المقرر أن يظهر في غضون الأسابيع القليلة المقبلة).

خلال الأربع سنوات ما قبل تخرجه، شهد جيم الدفء من الإسرائيليين الغير عاديين وبرودة آخرين. وقد انتقلت من الأمان النسبي للفصول الدراسية إلى تهديد دائم من الاعتقال من قبل شرطة الهجرة في الشوارع. في كل مرة تم التحدث اليه، كان قادرا على الإثبات أنه طالب في مكانة جيدة. لكنه قضى ليالي طويلة حتى، أخيرا، في سنته الثالثة، حصل على تأشيرة دراسية. لقد كشط بالكاد من خلال ذلك، لكنه نجا وحتى ازدهرت حياته.

ان جيم في مرحلة استكمال التزاماته النهائية لأول لقب له وقد بدأ باستكشاف إمكانيات دراسات اعلى. مستقبله، مع ذلك، غير يقين بشكل تام. تراه السياسة الإسرائيلية حتى الآن متسلل آخر, الذي سيتم ترحيله دون محاكمة. وطنه الوحيد الذي عرفه هو إسرائيل. اللغة الوحيدة التي يتحدثها بشكل صحيح هي العبرية. جميع أصدقائه وآليات دعمه موجودة هنا. ببساطة, ليس هناك مكان اخر يذهب اليه – ولكن اسرائيل لا تريده.

لسنوات، لقد قام صناع السياسة بكل ما هو ممكن لتجنب التزامات إسرائيل وفقا للاتفاقيات الدولية للاجئين, التي بنفسها وقعت عليها (والتي بدأتها بنفسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية). لقد فشلت في معالجة الآلاف من طلبات الحصول على وضع لاجئ – منحت بالكاد حفنة منها في العقد الماضي. لقد روجت لتشريعات مهينة (التي رفضت مرتين من قبل المحكمة العليا وأحيت الآن)، سامحة لاحتجاز طالبي اللجوء في معسكر حولوت. أنها تستمر في سجن الآخرين في سجن سهارونيم. واقامت برنامجا لطرد المهاجرين الأفارقة إلى دول ثالثة تحت ستار العودة “الطوعية” الى الوطن، حيث سيكون وضعهم، بعبارة ملطفة، محفوف بالمخاطر.

منذ الانتخابات الأخيرة، في حين كانت الرقابة البرلمانية في أدنى مستوياتها، بدأت الحكومة ببساطة بطرد المواطنين الإريتريين والسودانيين المحميين حتى الآن. وفوق كل شيء، سمحت لحملة عامة ضد الاغراب لتتفاقم لعدة سنوات مع الإفلات من العقاب. في تحد كامل, ليس فقط للقانون الدولي، ولكن أيضا للتاريخ اليهودي والقيم الإنسانية المبدئية، إسرائيل – بدلا من تصميم سياسة معقولة وإنسانية تجاه طالبي اللجوء – لا تزال حازمة في كل ما تفعل لاستبعاد الأغراب من وسطها.

ان جيم هو المستفيد من كل ما هو جيد في الإسرائيليين وكل ما هو خاطئ في سياسة إسرائيل عديمة الضمير تجاه أولئك الذين يلتمسون اللجوء اليها. حتى جيم، المستفيد من حسن نية الكثير من الإسرائيليين (حيث وفر نجاحه لهم هذا الرضا)، لا يزال في طي النسيان. مكانته الرسمية الآن هي مسألة حياة أو موت. تم تشخيص جيم مؤخرا مع مرض مهدد للحياة. لقد دخل المستشفى ويخضع حاليا لعلاج مكثف – يحيط به الأصدقاء، وأعضاء الهيئة التدريسية والطلاب الذين حشدوا لمرافقته في جميع الأوقات. لكنه يفتقر إلى راحة البال الضرورية جدا لشفاءه. مكانته – بكل معنى الكلمة – لا تزال غامضة.

اية إسرائيل ستحدد مصير جيم؟ هل ستكون تلك اسرائيل التي تبنته وجعلت منه جزءا منها؟ أم ستكون إسرائيل التي ترفض أن ترى الشاب الماهر والكفؤ الذي خرج من رضوض وحطام اليتم الملقى على عتبتها لأكثر من عشر سنوات، وتصر على مغادرته البلاد على الفور؟ في كثير من النواحي، قصة جيم – ومستقبله – هما قصة ومستقبل اسرائيل.

عن الكاتب
برفيسور نيعومي خازان نائبة رئيس مجلس الكنيست سابقا وعميدة مدرسة المجتمع والحكم في كلية تل ابيب يافا
تعليقات