انحلال الديمقراطية الإسرائيلية
لقد تم شن حملة شرسة ضد الرئيس الإسرائيلي، متهمينه بالتواطؤ مع نقاد بلاده. فيديو بشع يصور ناشطين في مجال حقوق الإنسان كوكلاء خارجيون يروجون لأحدث موجة إرهابية انتشر على نطاق واسع. لقد تم إدخال تشريعات جديدة لتقييد وتشويه سمعة منظمات المجتمع المدني. يتم اتهام مسؤولين عرب منتخبين، مرة أخرى، بعدم الولاء. وكبار المسؤولين الحكوميين – أولا وقبل كل شيء رئيس الوزراء نفسه – يقفون مع كل هؤلاء، يمنح صمتهم الغير معهود ترخيصا لمزيد من الاعتداءات على التنوع البشري الضروري لإسرائيل ولطابعها التعددي.
في الحقيقة لا جديد في الموجة القومية المتطرفة من الأسبوع الماضي. انها جزء من عملية منهجية من الانحدار الديمقراطي المختمرة منذ بعض الوقت الان، مركزة على كل انحراف عن ما يبرز بسرعة ليكون نظرة مهيمنة، مدفوعة عرقيا، حصرية، متآلف وعازمة على إعادة ترتيب الأولويات وإعادة تعريف الهوية الإسرائيلية. انها تتبع نمطا يذكرنا بسوابق تاريخية من النوع الأكثر رعبا, وتحتوي على نفحات من جهود مماثلة تجري في أماكن أخرى. لا يمكنها إلا أن تواجه من قبل تأكيد موحد، واسع، صخب وملتزم بشكل خال من الاخطاء لمركزية مبادئ التسامح والعدالة والمساواة لقوة تحمل إسرائيل الأساسية.
ان الغرض الغير حرج لقومية جديدة في إسرائيل لإعادة تعريف طبيعة الدولة، حاصرا اياها في هذا يوم التعبير الأخير حول الارتباط التاريخي بين اليهود وأرض إسرائيل. من خلال الخلط بين الدولة مع “الشعب” (اليهودي)، لا يبقي مجال للمواطنين ولحقوقهم. أي شخص لا ينسجم مع هذا القالب أو يشكك بتشكيلته او يشكك بافتراضاته يعتبر متهما بشكل تلقائي ويحتمل أن يكون مسيئا للدولة ومصالحها. يتم نفي خلافات حول المضمون باعتبارها أعمال خيانة. يتم تمجيد التقوقع باسم الدفاع المطلق ضد انتقادات خارجية. يتم التغاضي عن العنصرية والتعصب باسم الأمن. وهكذا ينقسم العالم -خارج اسرائيل وداخل حدودها- بدقة إلى “نحن” و “هم”: مؤيدين ومنتقدين، أصدقاء وأعداء، اولئك الذين معنا والذين ضدنا.
المروجين لهذه القومية الجديدة (مجردون من زخارف الديمقراطية الأساسية) نشأوا في هامش اليمين للمجتمع الإسرائيلي – متأصلين في تلك الدوائر الوطنية والدينية التي وفرت العمود الفقري للمشروع الاستيطاني. خلال العقد الماضي، مع ذلك, لقد تعدوا هذه القاعدة الأولية لإدماج الشباب أيضا، العلمانيون، المتعلمون، أتباع حضريين جلبوا معا من قبل مجموعات مثل ام ترتسو و إسرائيلي (يسرائيل شلي). لقد تم سندهم من قبل صحفيين متعاطفين وبشروا في كثير من الأحيان من قبل مؤسسات الفكر والرأي المنشأة (معهد الإستراتيجية الصهيونية، كمثال). انهم يتمتعون بمساندة المشرفين الذين خرجوا بنفسهم من الأنشطة التقدمية (مرصد المنظمات غير الحكومية أو مراقب الأكاديمية الاسرائيلية). توحيد حزب هبايت هيهودي القومي تحت قيادة نفتالي بنت واييليت شاكيد, قد وهبهم قاعدة حزبية, مقلدة بشكل كبير من قبل أفيغدور ليبرمان وحزبه يسرائيل بيتينو. يشكل أتباعهم الآن أغلبية برلمانيي الليكود وممثلون بشكل كبير في أروقة السلطة.
لقد اتسع نطاق أهداف هؤلاء القوميين المتطرفين على مر السنين. مهتمين أقل بشرعية المجموعات التي يشجبوها (في حين ان هذه كيانات قانونية تخضع لرقابة مستمرة) من اعتمامهم بشرعيتهم الخاصة (التي يسعون إلى تقويضها)، انهم ينقضون باستمرار على أولئك الذين لا يتفقون مع تعريف عضويتهم في المجتمع – وخاصة المواطنين العرب في إسرائيل. انهم يلاحقون أولئك الذين يجرؤون على التشكيك بنصوصهم، ولا سيما منظمات المجتمع المدني التي أعطت صوتا لطائفة واسعة من الأفراد الذين ينتقدون سياسات الحكومة ويعارضون إجراءاتها الرسمية (بحيث تشمل هذه جماعات سلام وجمعيات حقوق مدنية وانسانية وحتى مبادرات العدالة الاجتماعية). كان المثقفين والأكاديميين والفنانين والكتاب عنوان حملات عديدة. والمؤسسات العامة التي تدعم الحريات المدنية وحقوق الأقليات – وخاصة محكمة العدل العليا الإسرائيلية والآن مؤسسة الرئاسة – لم ينجوا.
بالنسبة لطلاب الحركات القومية المتطرفة، لا يوجد شيء عشوائي أو مبتكر بشكل خاص إزاء الأساليب المستخدمة من قبل علامة إسرائيل الرمزية المعاصرة للمتعصبين الوطنيين. كل حملة – سواء ان كانت مرارا وتكرارا ضد الصندوق الجديد لإسرائيل، قسم العلوم السياسية في جامعة بن غوريون، كاسري حاجز الصمت، بتسيلم، اللجنة العامة لمناهضة التعذيب أو ضد رؤوفين ريفلين اليوم – مكونة من ثلاثة عناصر تفاعلية. يتمثل الأول في تجميع – في كثير من الأحيان بطرق مشكوك فيها – مواد دامغة ظاهريا (ومنحازة أو ملفقة في كثير من الأحيان) ضد أهداف محتملة. تنطوي الثانية على حملات مخططة بعناية وممولة بشكل جيد تهدف إلى فضح ونزع الشرعية عن هذه المنظمات وعن مؤيديهم وفرض خطاب موحد في المجال العام (العقل المدبر وراء الهجمات الأكثر ضراوة، موشيه كلوهافت، وهو مستشار مقرب من وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت). ويلتف الثالث حول رسالة الوطنيين الجدد في عباءة احترام رسمي من خلال مبادرات سياسية تدعمها مبادرات تشريعية (تم طرح العشرات من مشاريع القوانين المقترحة التي تهدف إلى تشويه سمعة، وتشجيب و / أو نزع تمويل أنشطة تعددية في العام الماضي وحده).
ان جذور ما يعد الآن هجوم منظم ضد أي شخص أو أي شيء مختلف متجذر بعمق في تباين النهج للصراع الاسرائيلي المستمر مع الفلسطينيين، المشتد في الآونة الأخيرة جراء العزلة الدولية المتزايدة في البلاد، والذي سلط الضوء على حساسية العديد من الإسرائيليين موحدا عقلية محاصرة. لقد تيسر هذا من قبل عدم فعالية واضحة من أحزاب المعارضة وانتشار تدريجي لنشاط اجتماعي مدني مكانه. قبل كل شيء، مع ذلك، إن الاعتداء المستمر على التعددية في المجال العام يعكس عدم ثقة النفس لدى اولئك الموجودين في المكاتب والذين يخدمون بشكل مباشر مصالحهم عن طريق السماح للقيادة الحالية بالتنصل من المسؤولية عن الوضع غير المستقر في إسرائيل، وعن طريق تحويل العبء إلى أولئك الذين لا يوافقون على مجراه، مرسخة قبضتها على مقاليد السلطة.
لا شيء يمكنه تجريد الأصوات البديلة أكثر من تحويل مناقشات شرعية على المضمون إلى اشتباكات عاطفية حول الهوية، وبالتالي حول الولاء. في إسرائيل اليوم، أولئك الذين يساوون الوطنية مع الالتزام الثابت بالأساس الطائفي، اليهودي الضيق، وتفسير ما هي إسرائيل, يشغل ميزة غير متكافئة على أولئك الذين يصرون على الالتزام بالجذور الثقافية والتي مدفوعة عالميا مع ذلك، ومعنى الوطنية .
ان جوانب رئيسية للنسيج الديمقراطي الإسرائيلي الهش في خطر: حمايته للحريات المدنية (وخاصة حرية التعبير وتكوين الجمعيات)؛ الحفاظ على حقوق الأقليات؛ قدرتها على تعزيز خطاب جماهيري واسع وبناء. دعمها لحياة الجمعيات المستقلة. وقدرتها على ضمان الالتزام بسيادة القانون. بالفعل، تم تقليص معنى الديمقراطية لقذيفة شكلية مجردة من محتواها الليبرالي، بحيث تخلط على نحو متزايد بين الديمقراطية وحكم الأغلبية.
كما تخلو إسرائيل من تأثيراتها الديمقراطية العميقة، مع ذلك، انها في خطر داهم محليا ودوليا على حد سواء. انها أكثر عرضة للازدراء من الديمقراطيات المخضرمة. أنها أكثر عرضة لانهيار داخلي، والأهم، إنها بالتأكيد أكثر غموضا حول من هي، ما هي القيم الكامنة في جوهرها، وإلى أين هي ذاهبة.
لفترة طويلة جدا، لقد تم تجاهل الهجوم المنظم على مفاهيم شاملة للمجتمع الإسرائيلي وتم اهمال عواقب ذلك للأسف. المحاولات الاخيرة لتشويه سمعة الأصوات الديمقراطية في جميع أنحاء الطيف السياسي, اوضحت بشكل كامل أن اعراض الرياح المظلمة البروتو فاشية تجتاح البلاد. لم يعد من الممكن تهميش ذلك أو تجاهله بشكل امن. إذا ارادت إسرائيل البقاء قائمة، فعليها محاربة هذا الاتجاه بقوة وحزم.
أولئك الذين يهتمون بإسرائيل الديمقراطية، تلك التي تفي بقيم التسامح والحرية لجميع المواطنين وتصر على السعي إلى السلام رغم الانتكاسات المستمرة، يتوجب عليهم الاستيقاظ فورا من سباتهم واخيرا كسر ضمتهم بحق. يمكنهم أن يقاوموا التكميم بإعلان رؤيتهم الديمقراطية في كل شبكة اجتماعية، في كل زاوية شارع، ومن كل شرفة. عليهم قول الحقيقة بقوة من خلال الدعوة الى مجتمع عادل, الذي حتى في الأوقات العصيبة, يعزز المناقشة ويدعو للنقاش. هذا ما تعنيه محبة إسرائيل اليوم. هذه هي الوطنية الصادقة. وهذا الذي سيضمن استقامة البلاد, الإنسانية والسلامة في المستقبل.
تعليقات