العائلة المالكة في الأردن تخسر سبب وجودها
أدت بعض التطورات الإقليمية والداخلية في الأردن إلى إزدياد القناعة بأن العائلة المالكة المسيطرة على الحكومة والبرلمان أصبحت عبئاً على فرص إحلال السلام الفلسطيني الإسرائيلي من جهة وبين الرؤية الجديدة في محاربة الإرهاب وإقتلاع جذوره في المجتمعات من جهة أخرى.
في البداية من المهم معرفة أن البريطانيين كانوا قد إعطوا الحكم للهاشميين في الأردن كجزء مقتطع من الوصاية العامة على فلسطين قبيل تأسيس دولة إسرائيل. ما لايعرفه الكثيرون أن الهدف من تأسيس الإمارة كان جيو-إقتصادي بحت – وهو خلق منطقة عازلة لمنع وصول المهاجرين اليهود إلى منابع النفط المكتشفة أنذاك في العراق وليس لحمايتهم من الغزوات العربية كما يدعي دعاة القومية العربية. هذا الهدف أصبح الآن غير ذي صلة مع التقارب الكردي-الإسرائيلي في عديد من الملفات، ناهيك عن التقارب الضمني بين دول الخليج وإسرائيل في مواجهة الإرهاب والتهديد الإيراني.
كذلك مع دخول الأزمة السورية لتفاهمات ربما تقود لوقف دائم للقتال فإن الهاشميين خسروا أيضاُ دوراُ آخر كان قائم على تأجيج الصراع بين الطرفين المتقاتلين وتمكين إستراتيجية البقاء لديه. فمن جهة عمل بالسر على تدريب المعارضة السورية المتطرفة وإرسال المقاتلين لجبهات القتال، ومن جهة آخرى التواصل المباشر مع النظام السوري وإبقاء القنوات مفتوحة لكسب أي إرتدادات غير متوقعة. مصلحة العائلة المالكة كانت في إستمرارية الصراع أكثر لحصد مزيد من المكتسيات على الأرض، ناهيك عن كسب الأموال الخليجية والأمريكية التي طالما تدفقت بكثافة وقت الأزمات. هذا الأمر إنتهى الأن مع خلق مناطق أمنة وإقتراب نهاية داعش.
ومع تكوين تحالف خليجي لمواجهة الأرهاب والتطرف في المجتمعات فإن الهاشميين يجدون أنفسم بجانب قطر فقط في التحالف البنيوي مع الإخوان المسلمين. فبالرغم مما تظهره الحكومة في الأردن من مواجهة مع الحركة والتحالف مع السعودية والإمارات ومصر والبحرين، فإن الحقيقة هي أن النظام كان قد ضرب عقداُ غير معلن مع الإخوان فحواه أن يترك لهم التحكم بسياسات المجتمع لتمكين الطابع الديني المحافظ له مقابل إعلان الولاء المطلق للنظام. وتظهر سياسات الدولة المجتمعية مؤخراُ هذا التوجه، فقد أظهر إستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث شهر مارس الماضي الأردنيين بأكثر الشعوب الكارهه للولايات المتحده بين 37 دولة مستطلعة وبنسبة وصلت إلى 82%، الأمر الذي أثار الدهشة نظراُ للدعم اللامحدود الذي تحصل عليه المملكة من الولايات المتحدة سواء مالياً أوعسكرياً أودبلوماسياً. برأيي فإن كراهية المواطن الأردني للولايات المتحدة هذه نابعة من عدم كفاءة الملك عبدالله في إقناع المواطنيين بالقيم الحضارية والدولية التي تمثلها الولايات المتحدة، ناهيك عن إستخدام هذا الواقع المختلق للإقناع الغرب بعدم وجود بديل مقنع في الأردن لفرض التغيير والإصلاح.
ومن السياسات الداخلية المدعومة من الحكومة والتي تعمل على تأجيج التطرف والنزعة العنصرية الفوقية هو إستمرارية إستخدام أمانة عمان الكبرى – المرتبطة مباشرة بالديوان الملكي – لأسماء شخصيات إسلامية غير معروفة للعامة للمناطق والشوارع الحضرية في عمان – مما يضفي عليها طابعاُ إسلامياُ متدرج. وفي شهر يونيو الماضي قررت الحكومة رفع رسوم ترخيص الملاهي الليلية والبارات والتي تعتبر أحد المتنفسات الترفيهية القليلة في بيئة ضاغطة لشريحة كبيرة من الأردنيين لتصل إلى رقم فلكي وهو 14 ألف دينار – مقارنة مع رسوم ترخيص ملهى في بلد كبريطانيا وهو قرابة 300 دينار فقط. وأعلنت أحدى المواقع الإلكترونية المعروفة بمصداقيتها الشهر الماضي عن منع وزارة الداخلية تأسيس حزب سياسي بحجة أن معظم هيئته التأسيسية هم من إثنية أفريقية سوداء. كذلك فقد سمحت الحكومة لنائب في البرلمان من جماعة الإخوان المسلمين بالقيام بحملة مفتوحة لمنع فرقة موسيقية لبنانية بإقامة حفلات في الأردن الشتاء الماضي بحجة وجود إيحاءات جنسية في أدائاها على المسرح. الحملة إستمرت حتى الإسبوع الماضي بسحب ترخيص مجلة تسلية شهرية بحجة تبنيها لهوية مثلية جنسية – بالرغم من تصريح الملك عبدالله المتكرر بأن حرية الصحافة في الأردن حدها السماء. ربما يبدو للبعض بأن هذه السياسات تبدو سطحية من حيث عدم تأثيرها على الهوية الجامعة للدولة– لكن الحقيقة فإنها تدفع بتشكيل نفسية مواطن متطرفة ومحبطة وأحادية وغير متسامحة مع الأخر وتقود إلى التطرف التدريجي في المجتمع، وبالتالي دفع المعتدلين للبحث عن بدائل لإستخدامها والخوض فيها لدى جماعة الإخوان وغيرهم من القوى الراديكالية.
منذ قدوم الملك عبدالله الثاني للسلطة عام 1999 حاول أصدقاء الأردن في الخارج والإصلاحييون في الداخل بإستمرار إصلاح النظام ودفعه بإتجاه التعددية والتسامح، لكن بات مؤكداُ أن الهاشمييون هم من تصدوا لذلك عبر أدواتهم في المجتمع لأكثر من سبب أهمها إعطاء مبرر لوجودهم واللعب علي سياسة البقاء – التي بالفعل قادت الأردن لهوية وطنية تتصف بالشيزوفرينيا ما بين الصورة الخارجية للدولة وحقيقتها الداخلية البائسة. حان وقت رحيل الهاشميين لما فيه مصلحة لللأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين ولكل محب للسلام.