الزيارة التي مرت (تقريبا) دون أن يلاحظها أحد – ماذا تقول عن فرنسا وعن غزة وعنا؟
إن الثماني والأربعين ساعة التي قضاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مصر كانت كافية للإشارة إلى العالم، وخاصة لنفسه، بأن فرنسا لا تزال هنا، ولا تزال تريد أن تكون ذات أهمية. ولكن زيارته التي تبدو دراماتيكية وتركزت على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة ومناقشة “اليوم التالي”، لم تحظى بأي اهتمام في إسرائيل، وربما ليس بالصدفة.
ماكرون، الذي عادة ما يجد نفسه غارقًا في الأزمات الداخلية – الاقتصادية والسياسية والاجتماعية – يختار مرارًا وتكرارًا الهروب إلى الخارج. إلى السياسة الخارجية، إلى أسواق القاهرة، إلى القمم الإقليمية. هذه ليست سياسة، بل هي حنين إلى الماضي، ومحاولة لإعادة إحياء أيام المجد الفرنسية كقوة عظمى في الشرق الأوسط. المشكلة هي أن العالم قد تغير، ولم يعد أحد ينتظر فرنسا حقًا، وبالتأكيد ليس في الشرق الأوسط الجديد، ولا في باريس.
لم تتم دعوة إسرائيل إلى القمة الثلاثية بين ماكرون وعبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله، والتي ناقشت “سبل وقف إطلاق النار في غزة”. مرة أخرى: عن غزة، بدون غزة؛ عن إسرائيل، بدون إسرائيل.
قد يكون ماكرون الزعيم الأوروبي الوحيد الذي اقترب من حدود غزة ــ العريش ــ والتقى بالجرحى الفلسطينيين ومنظمات الإغاثة، ولكن ما قيمة ذلك عندما يتم تجاهله من قبل الطرفين الفاعلين الرئيسيين؟ ـ الولايات المتحدة وإسرائيل ــ حتى ترامب، الذي يمنح بنيامين نتنياهو دعما نادرا في غزة، لا يتوقف للتشاور مع قصر الإليزيه. وماذا عن ماكرون؟ يواصل الرئيس الفرنسي إطلاق تصريحاته ضد حماس، ربما بشكل يسمح للملك الأردني والرئيس المصري أن يتفقا معه، عن بعد.
ومع ذلك، لم تكن هذه الكلمة الأخيرة لماكرون. خلال زيارته أعلن عن مبادرة جديدة وهي مؤتمر دولي ستعقده فرنسا بالتعاون مع السعودية خلال بضعة أشهر تحت عنوان “حل الدولتين”. يبدو هذا الإعلان مألوفًا ــ فالعديد من المبادرات الفرنسية من هذا النوع وُلدت وسط ضجة إعلامية، وانتهت باستجابة واهنة. هل سيحدث شيء مختلف هذه المرة؟
ثم جاءت المرحلة التالية: أعلن ماكرون عن نية فرنسا النظر في الاعتراف بدولة فلسطينية. وقال “علينا أن نتحرك إلى الأمام”، مؤكدا أن فرنسا تدعم سكان غزة “ليس ضد إسرائيل، بل من أجل السلام”.
إلا أن الخط السياسي الذي يقوده ماكرون منذ السابع من أكتوبر بعيد كل البعد عن الاتساق. بعد وقت قصير من المجزرة دعا إلى إنشاء تحالف دولي للقضاء على حماس – وهي مبادرة نفاها المقربون منه. منذ ذلك الحين، تذبذبت مواقف ماكرون: من إدانات لإسرائيل، والمطالبة بإعادة المساعدات الإنسانية لغزة، وصولا إلى قرار لمنع مشاركة شركات أمنية إسرائيلية في معارض في باريس.
قد يكون ماكرون يصرح بالفعل أن فرنسا تدعم إطلاق سراح المختطفين وأمن إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه يقوم بزيارة المصابين الفلسطينيين في العريش – دون أن يذكر أن المسؤول عن وضعهم هو حركة حماس، وليس إسرائيل. حماس التي حولت غزة إلى قلعة موت واستخدمت مواطنيها كدروع بشرية. وفي الوقت نفسه، يشير ماكرون إلى أن حماس لن تكون جزءا من اليوم التالي – وهو تصريح في محله، لكنه قيل همسا.
هل تؤدي مثل هذه الزيارة إلى تعزيز مكانة ماكرون بين المسلمين في فرنسا؟ على العكس تماما. ينتقد الكثير منهم مصر بسبب “تعاونها” مع إسرائيل، ويدعون إلى تقديم الدعم غير المشروط لحماس وغزة، ويتوقع كثيرون أن تقدم مصر مزيدًا من المساعدات لحماس.
وماذا عن الجمهور العام في فرنسا؟ إنه قلق بشأن التضخم والمعاشات التقاعدية والاحتجاجات في الشوارع، وليس بشأن الحرب في غزة.
يحاول ماكرون العودة إلى الشرق الأوسط في عهد جاك شيراك، عندما كان الفرنسيون يُعتبرون صوتا مهما في المنطقة. ولكن هذا مجرد وهم. قد تكون مصر سعيدة في عرض حليف غربي – وإن كان رمزيا – لكن ماكرون لا يملك أي نفوذ، لا في القدس، ولا في واشنطن، ولا في بيروت أو في رام الله.
أوروبا ضعيفة وفرنسا ضعيفة – هذه الزيارة، مثل زيارات أخرى سبقتها، تؤكد فقط مدى ضعفهما. وربما حان الوقت لباريس بأن تقر بذلك أيضًا.