الثعلب في الحقول وجدار الصبار حول قريتي‎

يوجد جدار صبار صغير حول الموشاف الذي أقيم فيه – قريتنا الصغيرة في وسط إسرائيل.

لون الجدار أخضر مغبر، وهو ينتج ثمارا.

الثمار شائكة من الخارج ومذاقها حلو من الداخل – ما عليك سوى معرفة التعامل معها – كما أراني صاحب الأرض ذات مرة. لقد ارتدى قفازات سميكة، على الرغم من أن الأجواء كانت حارة، وقسم الثمرة إلى نصفين بواسطة سكين، وكشفت الثمرة عن ذهب حلو الطعم.

ربما تعرفون ذلك، ولكن “صبار” (تسبار بالعبرية) هي الصفة التي نطلقها على الإسرائيليين المولودين في البلاد – ولهذا السبب بالتحديد: وقح، وفظ قليلا، ولكن كريم ودافئ، ولطيف في جوهره.

نوع الأشخاص الذي سيشتمك ويشتم والدتك في الشارع، ولكن سيدفع ثمن قهوتك إذا لم يكن معك خمسة شواقل.

عرفت كل ذلك، عن “التسباريم”. أعرف ذلك منذ أن كنت طفلة صغيرة وكانت إسرائيل مجرد مكان على الخريطة.

ولكن لم أكن أعرف ما الذي يعنيه جدار الصبار من حول قريتي – حتى بعد العيش هنا لسنوات عديدة، حتى أخبرني شريك حياتي بذلك.

كنا في الخارج نسير في الحقول المجاورة لأشجار الزيتون. كانت الشمس توشك على الغروب، وهب نسيم بارد فوق الحقول وعبر بساتين الحمضيات شمالا. رأيت ثعلبا بطرف عيني يجري عبر الأعشاب ويدخل تحت جدار الصبار الذي يفصل بين قريتنا والحقول على الجانب الآخر.

“ماذا كان اسم هذا المكان؟” سألني من العدم.

“ما الذي تعنيه؟”

“الاسم العربي”.

“لماذا تعتقد أنه كان له اسم عربي؟”

“لأنه كان قرية عربية”.

ولكن هذه القرية بُنيت على يد ناجين من المحرقة – أشخاص جاؤوا من نفس ال”شتيتل” (بلدات يهودية في شرق أوروبا) التي عاشت فيها جدتي الكبرى! المكان يضم متجر سوبر ماركت صغير مع علم إسرائيلي كبير، وكشك فلافل محشور وراء ساحة لعب تضم مزلقا أحمر كبير. هذا المكان الذي يُمكنك أن تسمع فيه الرجال يصرخون “شالوم عليخم” مساء الجمعة، وحيث محطات حافلات المدارس مطلية بزهور زهرية وبيضاء وبنفسجية والكلمات “شالوم يلاديم! مرحبا أيها الأطفال” مكتوبة باللغة العبرية بأحرف فقاعية – حيث يتم كتابة كل شيء باللغة العبرية حرفيا، حتى التكوينات السحابية التي تمتد عبر السماء.

هذه القرية المليئة بالصبار – سواء الفاكهة الحلوة الشائكة أو الإسرائيليين اللاذعين واللطيفين المولودين في البلاد – ملح الأرض الذين يعملون بجد. الأشخاص الذين يسافرون إلى تل أبيب للمشاركة في مظاهرات ضد الفساد الحكومي، حيث يصلي المراهقون فوق الشموع ومع النبيذ والخبز مع الوالدين مساء الجمعة، ثمن يذهبون للتزلج على ألواح التزلج مع أصدقائهم ويستمعون لأريانا غراندي في الحديقة حتى شروق الشمس، حيث الأشخاص يتنزهون مع كلابهم ويطعمون القطط الضالة، ويلعب الأطفال الصغار في الخارج حتى طلوع القمر.

هذه القرية، بشوارعها التي تصطف على جوانبها الأشجار الجميلة والأزهار الجميلة والبيوت الجميلة في صفوفها الجميلة، حيث تنتشر الحقول مثل البحر في وسطها. هذه القرية، التي تقع بأمان وسلام وراء جدار صبار – حيث يقوم الثعلب بغزواته ذهابا وإيابا.

“كيف تعرف أنها كانت قرية عربية؟” سألته غاضبة.

أشار إلى جدار الصبار الذي جرى الثعلب باتجاهه للتو.

“جدار الصبار هناك – هذا محيط القرية”.

“كيف تعرف ذلك؟”

ضحك قائلا “حبيبتي. هذه هي الطريقة التي حمت بها القرى العربية نفسها – جدار الصبار كان وسيلة دفاع طبيعية – مثل الأسلاك الشائكة، تحمي المنازل والحقول في الداخل. كلما رأيت جدار صبار قديم، يجب أن تتساءلي: ماذا كان هنا من قبل”.

فكرت في الأمر والتفكير ضايقني.

إننا نعيش داخل الخط الأخضر – في حدود إسرائيل 1948. هناك كيبتوس من شمالنا، والطريق السريع الرئيسي من الجنوب، والمنزل الذين نعيش فيه بُني في عام 1949 – بعد عام من إقامة دولة إسرائيل، وفي السنة التي جاء فيها أول الرجال والنساء لبناء الموشاف. المنزل يتمتع بصلابة معمارية، ولكن توجد شقوق في جدرانه… وفئران أحيانا.

هذه هي قرية لما تبقى من اليسار – حيث لا يزال بعض الأشخاص يقاطعون منتجات المستوطنات، حيث رأيت مركبات ترفع العلم الأسود في إطار الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث لكل فرد فيها مطعم الحمص العربي المفضل في الرملة، حيث أقسموا قسم الولاء.

نحن عائلة مختلطة هنا – أنا يهودية، وشريكي في الحياة أمريكي – عربي، ولم نواجه أي صعوبات هنا. في الواقع، في أحد أيام السبت عندما قام هو وأبناء عمومه بعزف الموسيقى على الشرفة وغنوا بالأرمنية والعربية، حضر بعض الجيران للاستماع إليهم.

“واو، مذهل”، قالوا. “هذا جميل”.

وكانوا يعنون ذلك.

كيف يمكن لهذا المكان أن يكون أي شيء آخر عدا ما هو عليه؟ موشاف إسرائيلي؟

ومع ذلك، هناك جدار صبار… وخلال الأسابيع القليلة الماضية، سرت في دوائر من حول القرية، وحول جدار الصبار، وراقبت الثعلب في الحقول يندفع تحت جدار الصبار، ذهابا وإيابا.

“أنظري – هذا لا يعني أنه لا يمكنك أن تحبي هذا المكان”، قال لي شريكي. “هذا لا يعني أنك لا تنتمين إلى هنا. ولكن التاريخ مهم. وإذا كنت لا تستطيعين التعامل مع الماضي، فكيف يمكنك التعامل مع المستقبل؟”

وعلى الرغم من ذلك، شعرت أنني بوضعية دفاع. شعرت بالغضب. وشعرت أيضا بهذا الشعور المزعج في معدتي.

فبدأت بطرح الأسئلة.

ونعم، كان لهذه القرية ذات مرة اسم آخر – اسم عربي، وعاشت هنا بضع مئات من العائلات. وكانت هناك أشجار زيتون- ربما نفس الأشجار التي أمر من أمامها خلال سيري في ساعات المساء حول الجدار.

كانت هناك بيوت حجرية مع أسطح مائلة وآبار مياه.

كانت هناك بساتين حمضيات وأشجار موز.

عائلات قامت بجمع ثمار الزيتون، والنساء قمن بقطفها. أكلوا الجبن الأبيض المتفتت على الفطور وخبزوا الخبز المسطح. سحبوا المياه من الآبار، وزرعوا المزيد من الأشجار، وجمعوا المزيد من الثمار.

كان لهذه القرية اسم آخر – اسم أواجه صعوبة في لفظه. ربما كان هناك مسجد في مكان ما هنا، وسُمعت أصوات الآذان عبر الحقول خمس مرات في اليوم، بصوت منخفض وأزلي – الصوت نفسه الذي أسمعه عندما أبقي النوافذ مفتوحة للاستمتاع بالهواء، بإمكاني سماعها عبر الحقول قادمة كل الطريق من الرملة. أو ربما أنني أحلم، وأن ما أسمعه هو ذاكرة بقيت داخل جدار الصبار.

كان لهذه القرية اسم آخر – احتضنته جدران الصبار هذه، ولكن أسماء القرى التي كانت هنا دُفنت منذ فترة طويلة – لا بد أن هناك مقبرة في مكان ما، ولكن لا أعرف أين. لا بد من وجود سجلات – ولكن لا أعرف أين أبحث.

تسعة رجال وامرأة واحدة لم يعودوا إلى منازلهم في تلك الليلة **

وفقا للمؤرخ الدكتور شمعون غات، بحلول نهاية “عملية براك”، كان سكان القرية قد فروا والمباني قد دُمرت، وكل ما تبقى هو عبارة عن غلاف لمبنى قديم، خارج بساتين الحمضيات على أطراف الحقول ليس بعيدا عن جدار الصبار المحيط بقريتنا.

أجد صعوبة في التوفيق بين كل هذا – حيث أقف هنا في الحقول، وتهب الرياح عبر البساتين، وأشم أزهار الحمضيات، وشجرة التين بجانبي، داكنة وحلوة.

أجد صعوبة في التوفيق بين كل هذا – فأنا أربي أطفالي على حب هذه الأرض وخدمتها بأفضل ما لديهم.

أراقب الثعلب يجري تحت الجدار – ذهابا وإيابا، وعبر الحقول.

يتوقف ويحدق في وجهي، يحرك ذيله ويجري مرة أخرى.

أجد صعوبة في التوفيق بين كل هذا، ومع ذلك، وكما يقول شريكي، لا يزال بإمكاني أن أحب هذا المكان – وأنا أحبه. ما زلت أستطيع أن أنتمي إلى هنا – وأنا أشعر بالانتماء. يمكنني تتبع جذوري هنا مرة أخرى من البداية.

ولكن التاريخ مهم.

لن أذهب إلى أي مكان، ولكن من أجل البقاء والاستمرار في تنمية جذور قوية في هذه الأرض الجميلة، ومن أجل الاستمرار في تربية أطفالي ليحبوا هذا المكان حقا وبالكامل، لا يمكنني تجاهل تعقيدات العيش هنا – الألم الذي تسببنا به عندما كنا نقاتل من أجل حياتنا.

يمكنني الاحتفاء بكوني قادرة على العيش هناك كيهودية، كشخص عاد إلى الأرض بعد فترة طوية وصعبة في المنفى. يمكنني الاحتفاء بكوني أعيش في بلد يتبع فيه عامنا إيقاعات القمر، وتتوهج شموع الأعياد، حيث في أيام الخميس، تقدم لي فتيات جميلات الشموع الصغيرة ليوم السبت، وقبل عيد الفصح العبري، تقوم محلات السوبر ماركت بإزالة الخبز والبسكويت من الرفوف، و­حيث قبل عيد السوكوت، يكون هناك دائما شخص ما يقوم بتركيب سعف النخيل في وسط شارع “يافا”، وحيث تتوهج نوافذنا بأضواء شمعدان “الحانوكاه” الذي يضيء ليالي ديسمبر الحالكة، وحيث ثمار كل فصل هي تلك التي نقرأ عنها في الكتب المقدسة، وحيث نواصل التوق إلى القدس ويمكننا التجول في أروقتها القديمة.

ويمكنني أيضا أن أحزن على أن انتصاري وعودتي تسببا بمعاناة شعب آخر ونفيه.

وبينما أقف هناك في الحقول، أفكر في قصة الثعالب التي تمر عبر أنقاض الهيكل بعد تدميره، ويمكنني أن أسمع صوتا بطيئا لا يزال بداخلي.

التاريخ مهم.

وأنا أعيشه.

وإذا لم أستطع التعامل مع ماضيّ، فكيف يمكنني التعامل مع مستقبلي؟

ويجب أن أعرف من وقف هنا قبلي، هنا في الحقول – من قام بخبز الخبز وجمع الثمار­ – وماذا حل بهم، وما الدور الذي لعبه شعبي في إيذائهم، وإيجاد طريقة ما للاعتراف بذلك واحترامه بصورة حقيقية لكي نتمكن من المضي قدما إلى ما وراء جدار الصبار هذا، إلى فضاء تهب فيه الرياح، وتنتج الأرض أحلى ما يمكن أن تنتجه.

ولكن في الوقت الحالي، سأستمر في المشي في محيط قريتي إلى جانب جدار الصبار ومع الثعلب في الحقول الذي ينتظرني الآن كل غروب.

** Morris, B. (2004). The Birth of the Palestinian Refugee Problem Revisited. Cambridge University Press. ISBN 978-0-521-00967-6.

عن الكاتب
سارا تاتل سينجر هي محررة وسائل ألاعلام الاجتماعية في تايمز أوف اسرائيل. تركت لوس انجليس لتزرع جذور في اسرائيل. كما وأنها محررة في kveller.com وهي خطرة عندما تضجر.
تعليقات