“الإخوان المسلمون” في الأردن يستغلون الحرب في غزة ويتحدون المملكة

لطالما شكلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تحديا للعائلة المالكة؛ لكن الآن جاء الكشف عن الخلية التي جمعت وأنتجت الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، ليوضح حجم التهديد الذي تشكله الحركة الإسلامية على استقرار المملكة. هل ستستغل السلطات الحدث لقمع الحركة وإضعافها؟
في يوم الثلاثاء الماضي، 15 أبريل، حدث أمر جلل في الأردن. تمكنت أجهزة المخابرات الأردنية من إلقاء القبض على خلية إرهابية مكونة من 16 شخصا، كانت تقوم بجمع وتركيب الأسلحة في العاصمة عمان (بيان الناطق باسم الحكومة) وفي محافظة الزرقاء في شمال البلاد.
بحسب ما نُشر فإن مراقبة أنشطة الخلية استمر أربع سنوات، وكشف عن ارتباطها بالحركة الإسلامية في لبنان، حيث تدرب أعضاؤها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وسارع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي إلى اتهام السلطات الأردنية بالتخطيط لهذه الخطوة، وقالوا إنها مؤامرة تهدف إلى تشويه صورة الحركة الإسلامية وإيران، وإعطاء قوات الأمن ذريعة لضرب الإخوان المسلمين في الأردن.
إن التحدي الذي تواجهه العائلة المالكة الأردنية صعب للغاية. ونظرا للرأي العام (الفلسطيني في غالبه) الذي يؤيد الحركة الإسلامية، يتعين على الملك أن يظهر أنه في حين أنه ضد الإخلال بالنظام والاستقرار، فإنه من ناحية أخرى لا يعارض الحركة الإسلامية من حيث المبدأ. وبهذه الطريقة، ظل الملك عبد الله الثاني وفيا لتقاليد أسلافه، الذين آمنوا بدمج حركة الإخوان المسلمين في المؤسسات الحكومية (سياسة الخيار المشترك)، في حين كانت الحركة تتعرض للاضطهاد بلا هوادة في الدول المجاورة، مثل مصر وسوريا.
وتشكل الحركة الإسلامية، التي يمثلها في الأساس منذ تسعينيات القرن الماضي حزب جبهة العمل الإسلامي، المعارضة الأبرز للحكومة. وفي السنوات الأخيرة، تجاوزت الحركة الإسلامية الخطوط الحمراء في التعايش مع النظام الملكي في عدة مناسبات، مما يشير ربما إلى أن الوقت قد حان لتغيير تقاليد العلاقات بين النظام الملكي والحركة.
قبل نحو عقد من الزمان، استغلت الحركة الإسلامية في الأردن موجة الاحتجاجات في العالم العربي ضد الأنظمة (“الربيع العربي”) ونظمت مظاهرات عنيفة في جميع أنحاء الأردن بدءا من عام 2011. وقد قمعت قوات الأمن في المملكة الاحتجاجات بشكل فعال، مع تهديدات صريحة بإيذاء نشطاء الحركة الإسلامية جسديا.
وبضغط من السعودية ومصر، تم اتخاذ إجراءات قانونية في المملكة ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حتى أن حزب جبهة العمل الإسلامي قاطع الانتخابات عدة مرات احتجاجا. في عام 2015، نشر العمل الإسلامي برنامجا محدثا معتدلا، يعارض العنف والإرهاب، وذلك لمنع حظره.
وبشكل عام، عانت حركة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة من أزمة كبيرة. توفي زعيمها في قطر يوسف القرضاوي في عام 2022 في قطر، وبدأ الصراع على خلافته. قبل نحو عشر سنوات، تم إعلان الحركة غير قانونية في السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وقبل عدة سنوات تم اعتقال قادتها في تونس. كما وجهت “اتفاقيات إبراهيم” في عام 2020 ضربة قاسية للحركة، حيث تجاهلت دول مثل المغرب احتجاجات المنظمات الإسلامية ضد التطبيع. اليوم لم يتبق سوى تركيا وقطر – آخر دولتين راعيتين لجماعة الإخوان المسلمين التي تعاني من أزمة قيادية وأيديولوجية. ثم وصل إلى الجماعة شريان حياة جديد – الحرب في غزة.
استغلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حرب غزة لاكتساب السلطة والشعبية في الشارع الأردني. اضطرت قوات الأمن إلى منع عدد كبير من المسيرات والمظاهرات الحاشدة التي نظمها نشطاء إسلاميون باتجاه السفارة الإسرائيلية في عمان ونحو الحدود مع إسرائيل، بهدف إسناد غزة.
في الواقع، منذ 7 سبتمبر 2023، كانت قوات الأمن في الأردن منشغلة على مدار 24 ساعة في اليوم، في منع المنظمات الإسلامية من تنظيم مظاهرات ضخمة لصالح غزة وضد اتفاقيات السلام، وإحباط نشاط إرهابي يقوم به ناشطون أردنيون الذين يحاولون نقل أسلحة من سوريا إلى الأردن ومن هناك إلى الضفة الغربية.
لا شك أن الحرب في غزة تغذي الحركة الإسلامية وتزيد من شعبيتها في الشارع الأردني. وقد ظهر ذلك جليا في انتخابات سبتمبر 2024، عندما فازت جبهة العمل الإسلامي بعدد قياسي من المقاعد بلغ 31 مقعدا (مقارنة بخمسة مقاعد في عام 2020 وثلاثة أضعاف المتوسط).
ويمكن القول بحق إن جبهة العمل الإسلامي تبقى دائما في المعارضة، وأن الكلمة الأخيرة في المملكة تعود للملك، وليس للحكومة وبالتأكيد ليس للبرلمان. ولكن من المرجح أن تكون زيادة قوة الحركة الإسلامية تقض مضجع الملك.
لا شك أن الحركة الإسلامية في الأردن لا تدعم حماس فحسب، بل وتنسق أنشطتها مع الحركة الإرهابية طوال الوقت، على الرغم من طرد كبار قادة حماس، بقيادة خالد مشعل، من المملكة في عام 1999. وتواصل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التعبير عن دعمها لحماس والتحريض ضد إسرائيل دون توقف.
لكن الآن هناك شعور بوجود تصعيد كبير. ويبدو أن الحركة قررت الكشف عن أنيابها وتشغيل خلية كان من المفترض أن تطلق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل، وليس من المستبعد أن تكون خططت أيضا لتنفيذ عملية تسلل، نظرا للإهمال الكبير الذي يعاني منه السياج الحدودي الطويل بين إسرائيل والأردن.
يذكّر هذا التصعيد بنشاط حركة فتح في المملكة قبل نحو ستين عاما، والذي وصل إلى نقطة الغليان في “أيلول الأسود” عام 1970. حينها، قرر الملك حسين ملك الأردن، والد عبد الله، القيام بمداهمة كبرى لمعسكرات الإرهابيين وطردهم من المملكة. ونظرا للتاريخ الكئيب لأولئك الذين هددوا العائلة المالكة، فإن الحركة الإسلامية تخشى تهديد العائلة المالكة علنا. وسارعت حركة الإخوان المسلمين في الأردن إلى إصدار نفي، مؤكدة عدم وجود أي علاقة لها بالخلية التي تم القبض عليها مؤخرا.
وأوضح المتحدث باسم الحكومة الأردنية أن مدى الصواريخ التي تم ضبطها يتراوح بين 3 و5 كيلومترات، وهو ما يشير كما يقول إلى أن الـ”جماعة غير [الـ]مرخصة… [التي] سوف نجعل الرأي العام الأردني يسمع من أفواه هؤلاء المتهمين.. من هي هذه الجماعة”، هددت النظام في المملكة بشكل مباشر.
لكن يبدو أن الهدف النهائي كان نقل تلك الصواريخ إلى الضفة الغربية وإطلاقها من هناك إلى أراضي دولة إسرائيل.
لقد شكل الكشف عن الخلية الإرهابية يوم الثلاثاء فرصة ذهبية للحكومة لضرب الحركة الإسلامية بيد من حديد، بحجة أنها تشكل خطرا جديا على الأمن وزعزعة الاستقرار. ويدرك ملك الأردن أن الثعبان الذي رباه في بلاطه كبر بشكل كبير ويمكن أن يلسعه في أي لحظة. فهل ينتهز الفرصة ويعطي الأمر؟ الزمن كفيل بإثبات ذلك.