اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان جزئي وخطير
حكومة إسرائيل لا ترى أبعد من طرف أنفها، وهو أنف قصير جدا. ولا شك أنه حتى لو تم التوقيع على اتفاق ينهي الحرب في لبنان، فإنه سيكون حلا جزئيا بل وخطيرا.
إن المفاوضات التي تتم بوساطة أميركية مع حزب الله ترتكز إلى حد كبير على سذاجة واشنطن التي أوصلت البرنامج النووي الإيراني إلى النقطة التي وصل إليها اليوم – على بعد خطوات قليلة من قنبلة نووية – إلى المعاملة الفاشلة للحوثيين في اليمن، وغيرها من الأمثلة.
طهران لن تتخلى عن الوجود العسكري لحزب الله في لبنان، وأي اتفاق مع المنظمة لن يبقى على حاله. على أقصى تقدير، سيجلب ذلك بضعة أشهر من الهدوء – والتي سيستخدمها حزب الله، بدعم من إيران، لتجديد مخزونه من الصواريخ والمسيّرات.
تكمن المشكلة في أنه بعد إقالة يوآف غالانت من منصبه كوزير للدفاع، لا يوجد في حكومة بنيامين نتنياهو من يفهم في الأمن ويرى الصورة كاملة. معظم وزراء الحكومة هم مجرد دمى متحركة بالخيوط يوقّعون ويوافقون على أي اتفاق.
لا توجد حاجة للنظر بعيدا: فالوضع في غزة بعد أكثر من 400 يوم من القتال لا يزال خارج السيطرة. تسيطر حماس على شحنات الغذاء، ولا يوجد أي طرف مستعد لتولي إدارة المنطقة المدمرة بالكامل تقريبا. وكما أنه لم تكن هناك خطة لليوم التالي في غزة، كذلك لا توجد خطة حقيقية لليوم التالي في لبنان أيضا.
رئيس بلدية كريات شمونة، أفيحاي شتيرن، قال ذلك بوضوح ويبدو أنه عبّر بدقة عما يفكر فيه رؤساء السلطات المحلية الأخرى في الشمال: نحن ذاهبون إلى اتفاق قد يجلب بضعة أشهر من الهدوء ولكنه سيخلق تهديدا أكبر بكثير.
وقال شتيرن في بيان نشره: “قبل التوقيع على اتفاقية الاستسلام مباشرة، أدعو قادتنا إلى التريث والتفكير في أطفال كريات شمونة. انظروا في أعينهم ولا تخاطروا بمصيرهم ليكونوا المختطفين التاليين”.
وعلى حد قوله فإن “هذا الاتفاق يجعل السابع في أكتوبر أقرب إلى الشمال أيضا وهذا يجب ألا يحدث. لا أفهم كيف انتقلنا من النصر الكامل إلى الاستسلام التام. لماذا لا نكمل ما بدأناه؟! لقد نجحنا في تدمير منظمة حزب الله وبدلا من الاستمرار في سحق المنظمة وتدميرها على الأرض نقوم بحقنها بالأكسجين وإحيائها؟ وأين سيعود سكاننا؟ إلى مدينة مدمرة بلا أمن وبلا أفق؟ هل أصيب أحدهم هنا بالجنون؟”
يعبّر رئيس البلدية بدقة عن كل ما يفكر به من يفهم شيئا عن سلوك الحكومة على الجبهتين: لا توجد خطة لليوم التالي، ولا توجد حتى فكرة عما قد يحدث. هناك كلام ولكن دون أفعال – شيء واضح وآمن يمكن أن يقنع سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم.
وعندما يرى السكان سلوك الحكومة فيما يتعلق ببرامج التعويض وإعادة التأهيل، فليس من المستغرب أن تكون ثقتهم في الحضيض.
أراد الرئيس جو بايدن التوصل إلى اتفاق قبل أن يغادر البيت الأبيض في غضون شهرين. ومارس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضغوط أيضا. كل هذا تم أمام حكومة لا تدرك حقا ما يحدث أمامها: كل خبير في الشأن الإيراني قال إن طهران أعدت خطة لتجديد قوة حزب الله.
تثبت أنشطة الجيش الإسرائيلي أيضا أن المنطق غائب عن الحكومة. إن لبنان هو بلد تسيطر عليه منظمة إرهابية. عندما تطلق هذه المنظمة صواريخ على المدن والبلدات، يبلغ الجيش الإسرائيلي سكان الضاحية بالإخلاء قبل أن يشن هجماته.
لكن عندما توقفت الرحلات الجوية إلى بيروت نتيجة إطلاق صواريخ على وسط البلاد، استمرت حركة الطائرات في مطار بيروت الدولي كالمعتاد.
وحتى بموجب القانون الدولي، يُسمح لإسرائيل بالرد بشكل متماثل على الهجمات ضد السكان المدنيين. ولم يتم ذلك لأن حكومة نتنياهو غير قادرة على اتخاذ القرارات. الجميع هناك يقاتل بعضه البعض، والوزراء الذين يفتقرون إلى الفهم غالبا ما يهاجمون قادة الجيش.
وفي مثل هذا الوضع الشاذ والمجنون، فمن الواضح أن أي اتفاق مع حزب الله سيكون بمثابة مزحة سيئة على حساب إسرائيل.
من المحزن أن نرى جيشا يقاتل جنوده بضراوة بينما أن أولئك الذين من المفترض أن يضعوا السياسة وأن ينفذوها في حيرة من أمرهم ويتعاملون مع أمور هامشية مثل كيفية عدم تجنيد الحريديم وكيفية إقالة المستشارة القضائية للحكومة..